تفاصيل المنتج
سوق ذكرها المرزوقي في جملة أسواق العرب. والظاهر أنها كانت قديما ذات شأن إذ كانت قصبة عمان, ثم اضمحل مركزها وزاحمتها صحار وصارت هي قصبة هذا القطر, فمن ثم لم يكن لها من الشأن مثل ما لغيرها. وصفها صاحب مراصد الاطلاع بأنها سوق من أسواق العرب بعمان وأنها مدينة عظيمة مشهورة. قال ياقوت: "دبى سوق من أسواق العرب بعمان, وهي مدينة قديمة مشهورة لها ذكر في أيام العرب وأخبارها وأشعارها, وكانت قديما قصبة عمان. ولعل هذه السوق المذكورة كانت عندها. فتحها المسلمون أيام أبي بكر عنوة سنة ١١ للهجرة".جعل المرزوقي تاريخ قيام هذه السوق بين سوقي صحار والشحر. ونستطيع أن نفهم شيئا من خطرها التجاري إذا علمنا أنها من "أنهم يقيمونها لعشرين يوما من رجب". ولا يناقض هذا ما قدمناه؛ لأن افتتاح السوق وانفضاضها لم يكن بساعة محتمة لا تقدم عنها ولا تؤخر، بل إن من العرب من لا يكون حضر ما قبلها فيأتيها من أول رجب١, ومنهم من يكون في حباشة أو غيرها فيوافيها متأخرا. وتبقى البيوع قائمة حتى ينتهي أصحابها منها.وليست صحار من الأسواق العامة ولا من المواسم مثل عكاظ حتى يحرصوا عليها ذلك الحرص، وإنما هي سوق تجارية محضة لما حولها ولمن يقصدها، على أنها كثيرا ما يأتيها التاجر البعيد.وقيام هذه السوق في رجب يغني قاصدها عن الحماية, فيقدمها الناس غالبا بلا خفارة ولا حذر إلا من المحلين "لأن رجبا شهر حرام, فهي من هذه الجهة تمتاز من الأسواق التي تقوم في غير الشهر الحرام مثل سوق المشقر وغيرها.يعشر الناس في هذه السوق الجلندى بن المستكبر٢، وذكر الأزرقي أن بيعهم فيها بإلقاء الحجارة على ما تقدم في فصل البيوع, كما هو الأمر في سوق دومة الجندل. فرض العرب المشهورة، وأنه يكون فيها من لا يكون في عجيبة وبلدة ظريفة ممتدة على البحر، دورهم من الآجر والساج، شاهقة نفيسة، ولهم آبار عذبة وقناة حلوة, وهم في سعة من كل شيء. وهو دهليز الصين وخزانة الشرق والعراق ومعونة اليمن. والمصلى وسط النخيل ومسجد صحار على نصف فرسخ. فتحها المسلمون أيام أبي بكر سنة "١٢" صلحا".ونستطيع أن نفهم من هذا الوصف -وإن كان لعهد ياقوت- مدى الشأن التجاري الذي كانت تتمتع به صحار١ في الجاهلية أيضا. فقد كان بها تجارات واسعة تجلب إلى مختلف أقطار الجزيرة العربية, وجاء في الحديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كُفن بثوبين صحاريين.تقيم العرب السوق العامة في صحار من عاشر رجب إلى الخامس عشر منه بعد انفضاض سوق حباشة. والظاهر أنها تمتد إلى ما بعد الخامس عشر من رجب، فإن من لم يشهد الأسواق التي كانت قبلها لشغله عنها أو لأنه لا أرب له فيما يباع بما قبلها من الأسواق، يوافيها فيجد فيها من البئر المنشور وغيره من البياعات. وذكر المرزوقي٢:.غيرها من تجار
بلد من أعمر بلاد العرب وأغناها وأطفحها بالمتاجر، جاء في "مسالك الممالك" للإصطخري عند الكلام على عمان: "وقصبتها صحار، وهي على البحر وبها متاجر البحر وقصد المراكب. وهي أعمر مدينة بعمان وأكثرها مالا ولا تكاد تعرف على شاطئ بحر فارس بجميع بلاد الإسلام مدينة أكثر عمارة ومالا من صحار، وبها مدن كثيرة، وبلغني أن حدود أعمالها "٣٠٠" فرسخ وكان الغالب عليها الشراة".وياقوت وصفها لنا -كما شاهدها- وصفا أسهب, وأدل على مكانتها التجارية الكبرى فقال:"صحار قصبة عمان مما يلي الجبل "وتؤام: قصبتها مما يلي الساحل", مدينة طيبة الهواء والخيرات والفواكه، مبنية بالآجر والساج، كبيرة ليس في تلك النواحي مثلها. وليس على بحر الصين "يريد فرض الجزيرة التي على بحر الهند" بلد أجل منه، عامر آهل، حسن طيب نزه، ذو يسار وتجار وفواكه، أجل من زبيد وصنعاء، وأسواق
لأنها كانت السبب المباشر في تزويدنا بأوسع معجم جغرافي تاريخي, وهو "معجم
البلدان" لياقوت رحمة الله، فقد جاء في مقدمة هذا المعجم ما نصه:
"وكان
أول البواعث لجمع هذا الكتاب أني سُئلت بمرو الشاهجان في سنة "٦١٥هـ" عن
حباشة: اسم موضع جاء في الحديث النبوي وهو سوق من أسواق العرب في الجاهلية،
فقلت: أرى أنه حباشة بضم الحاء قياسا على أصل هذه اللغة؛ لأن الحباشة
الجماعة من الناس من قبائل شتى، وحبشت له حباشة أي: جمعت له شيئا. فانبرى
لي رجل من المحدثين وقال: إنما هو حباشة بالفتح، وصمم على ذلك وكابر، وجاهم
بالعناد من غير حجة وناظر. فأردت قطع الاحتجاج بالنقل، إذ لا معول في مثل
هذا على اشتقاق ولا عقل، فاستقصيت كشفه في كتب غرائب الأحاديث ودواوين
اللغات مع سعة الكتب التي كانت بمرو يومئذ وكثرة وجودها في الوقوف وسهولة
تناولها, فلم أظفر به إلا بعد انقضاء ذلك الشغب والمراء، ويأس مع وجود بحث
وامتراء، فكان موافقا والحمد لله لما قلته، ومكيلا بالصاع الذي كلته. فألقي
حينئذ في روعي افتقار العالم لكتاب في هذا الشأن مضبوط، وبالإتقان وتصحيح
الألفاظ محوط؛ ليكون في مثل هذه الظلمة هاديا، وإلى ضوء الصواب داعيا، وشرح
صدري لنيل هذه المنقبة التي غفل عنها الأولون ولم يهتد الغابرون ... إلخ
ما قال".
كان لهذه السوق ما لغيرها من المزايا: يكون فيها فداء الأسرى ونشدان الثأر ... عدا أمور التجارة. ولما قتل الشنفرى الشاعر حرامَ بن جابر قاتل أبيه، أتى رجل أسد بن جابر أخا المقتول فقال: "تركت الشنفرى بسوق حباشة" فرصد له قوم القتيل حتى أسروه وقتلوه.وليس لحباشة شأن الأسواق العربية الكبرى، فإنها تأتي في الدرجة الثانية في الخطر، وتكاد تكون لما حولها في الغالب، على خلاف الأمر في بقية الأسواق التي هي من مواسم الحج.بقيت هذه السوق قائمة كل عام حتى سنة سبع وتسعين ومائة، إذ تركت في زمن داود بن عيسى بن موسى العباسي. والسبب في خرابها أن من عادة ولاة مكة أن يستعملوا عليها رجلا يخرج معهم بجند فيقيمون بها ثلاثة أيام متوالية من أول رجب, واستمر الأمر على هذا حتى قتلت الأزد واليا كان عليها من قبيلة غني، بعثه داود بن عيسى بن موسى، فأشار فقهاء مكة على داود بتخريبها فخربها, وتركت منذ ذلك الوقت"١.
تقوم سوق العرب بتهامة في ديار بارق نحو "قنونا" على ست ليالٍ من مكة إلى جهة اليمن. فهي المتجر المتوسط المشترك بين الحجاز واليمن. وأصل الحبش: الجمع، والحُباشة: الجماعة من الناس ليسوا من جنس واحد، ولعلها سميت بذلك لكثرة ما يجتمع بها من مختلف القبائل والأجناس للتجارة، وليست من مواسم الحج. وكما سميت سوق تهامة القديمة بهذا الاسم, سميت به سوق أخرى لبني قينقاع تقام في رجب أيضا، كما هي اسم للأزد أيضا. والمشهورة منهما هي الأولى التي بتهامة, وقد تاجر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. جاء في الحديث:"لما استوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبلغ أشده وليس له كثير مال، استأجرته خديجة إلى سوق حباشة وهي سوق بتهامة واستأجرت معه رجلا آخر من قريش, وكان من قول الرسول وهو يحدث عن هذه التاجرة الكبيرة: "ما رأيت من صاحبة أجير خيرا من خديجة، ما كنا نرجع أنا وصاحبي إلا وجدنا عندها تحفة من طعام تخبئه لنا" " ا. هـ.
مفاوز التبت، وبانها١ من ثغر تهامة، فالفضائل كلها مجموعة فيها ... إلخ"٢.في هذه السوق يجري التبادل بين بضائع فارس والهند والحبشة واليمن والحجاز والشام، يصب فيها كل تاجر قطر ما حمل من قطره ويرجع إلى بلده بما يأخذه من عروض ليست فيه؛ ولهذا كان فيها جاليات من كل أمة وكل قبيلة.
قال: "إن النخل حملها غذاء، وسعفها ضياء، وجذعها بناء، وكربها صلاء، وليفها رشاء، وخوصها وعاء, وقَرْوها إناء"١. وذكر صاحب مراصد الاطلاع أن أهلها خوارج إباضية.تقصد العرب هذه السوق إذا انتهت من سوق هجر، فترحل إلى عمان وتقيم سوقها حتى آخر جمادى الأولى. وهي لتوسطها بين فارس والهند والحبشة، تجتمع فيها بضائع هذه الممالك الثلاث وكانت جمالها تحمل "الوَرْس" من اليمن إلى عمان حيث تعالج الأشياء التي يراد صبغها بالصفرة.وذكر الألوسي أن بأرضها معادن جيدة وذخائر متنوعة. وقد كان يستخرج بها عنبر مشهور، احتفظت عمان بشهرتها به حتى أيام الرشيد, فقد ذكر في الأغاني أنه "جاء العباس بن محمد إلى الرشيد يوما ببرنيّة غالية, فوضعها بين يديه ثم قال: "هذه يا أمير المؤمنين غالية صنعتها لك بيدي، اختير عنبرها من بحر عمان، ومسكها منكل قوي، فكيف إذا كانت خصبة فيها الغنى كعمان، وقد جاء في الحديث: "من تعذر عليه الرزق فعليه بعمان". فتجاراتهم كثيرة ومعايشهم وافرة، وفيها ذخائر متنوعة ومعادن جيدة وخصب ورخاء, فجمعوا بذلك أسباب الثروة والغنى فلم يكن من الغريب طمع فارس فيهم.وقد استتبع مركز عمان هذا كثرة الأعاجم فيها واختلاط أهلها بهم، حتى أدخل ذلك الضيم على لغتهم فلم يعرفوا في العرب بالفصاحة. ولما رأى أبو عمرو بن العلاء أعرابيا من عمان فصيحا لم يكتم استغرابه من حسن وصفه لبلده وفصاحة منطقه، حتى عرف أن الأعرابي بعيد عن مراكز الاختلاط تلك، ذكر القالي "٣/ ١٦" عنه أنه قال:لقيت أعرابيا بمكة، فقلت له: "ممن أنت؟ " قال: "أسدي" قلت: "ومن أيهم؟ " قال: "نهدي" قلت: "من أي البلاد؟ " قال: "من عمان" قلت: "فأنى لك هذه الفصاحة؟ " قال: "إنا سكنا قطرا لا نسمع فيه ناجخة التيار" قلت: "صف لي أرضك" قال: "سيف أفيح، وفضاء صحصح، وجبل صروح، ورمل أصبح" قلت: "فما مالك؟ " قال: "النخل" قلت: "فأين أنت عن الإبل؟ "
عمان على شاطئ البحر؛ الحجة منها أفضل من حجتين من غيرها" ومن المفسرين من ذهب إلى أن المقصود بقوله تعالى: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} عمان.ولو عرف الشاعر أبعد منها لذكره محلها في قوله يهجو قوما:لو يسمعون بأكلة أو شربة ... بعمان أصبح جمعهم بعمانوالظاهر أنها على بعدها لم تكن تخلو من أخلاط القبائل ومختلف الأمم، شأن كل فرضة تجارية، فلم تقتصر على الأزد الذين روينا لك فيهم ما ذكره الهمداني؛ لأنها أقرب بلاد العرب من الهند وليس بينها وبين فارس إلا المضيق فكان فيها النزلاء الغرباء من هؤلاء، عدا من يقصدها من العرب للتجارة فيقيم فيها، وقد ظلت تحت نفوذ الفرس الفعلي، وكان ملوك فارس هم الذين يولون عليها الأمراء, فاستعملوا بني المستكبر -على رواية المرزوقي- وقد تقدم أن لهم نفوذا على هجر، وعلى المشقر كما سبق، فتكون فارس قد بسطت سلطانها على سواحل الخليج الفارسي كله وعلى سواحل بحر اليمن حين أرسلوا الأحرار فطردوا الحبشة منها، وبذلك يكون لهم نصف سواحل جزيرة العرب، وما زالت الفرض والشواطئ عرضة للأطماع ينزلها
نزلها الأزد على قبائل يحمد وحدان ومالك والحارث وعتيك وجُديد "ص٢١١", واستشهد على قوله بشواهد من الشعر, منها:وأزد لها البحران والسيف١ كله ... وأرض عمان بعد أرض المشقر٢ومنها:وغسان الذين هم استتبّوا ... قبائلهم بأطراف البلاد٣وحيا منهم نزلوا عمانا ... أراهم لم يهموا بارتدادوغسان من الأزد كما هو معلوم. واستشهد أيضا بهذا الشاهد وهو يريد الأزد طبعا:فأقرت قرارها بعمان ... فعمان محل تلك الحماة٤وتضرب بها العرب المثل في بعدها؛ لأنها في أقصى الجزيرة إلى الشرق والجنوب, تفصلها عن اليمن صحراء الأحقاف, وهي بعيدة عن الحجاز والعراق والشام.ذكر ياقوت أن الحسن بن عادية قال: لقيت عبد الله بن عمر فقال: "من أي بلد أنت؟ " قلت: "من عمان" قال: "أفلا أحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " قلت: "بلى" قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إني لأعلم أرضا من أرض العرب يقال لها:
كورة عربية في جنوب الخليج الفارسي تمتد على سواحل بحر اليمن، وتشتمل على بلدان كثيرة ذات نخل وزروع، وهي شديدة الحرارة حتى إن حرها يضرب به المثل.وبها فواكه جرومية١ "كالموز والرمان والتين ونحو ذلك" ولعل نخيلها متميز من غيره، فقد ذكروا أن بالبصرة نخلة يقال لها: "العُمانية" لا يزال عليها السنةَ كلها طلع جديد وكبائس مثمرة وأخرى مرطبة. قيل: إنها سميت بعمان بن نفثان بن سبأ أخي عدن٢, وقيل: من "عمن يعمَن" إذا أقام، وقد اشتقوا منها فعلا فقالوا: أعمن وعمّن إذا أتى عمان، قال العبدي:فإن تُتْهموا أنجد خلافا عليكم ... وإن تُعْمنوا مستحقبي الحر أعرقعدها الهمداني في "صفة جزيرة العرب ص٤٨" من مخاليف اليمن
١ مسالك الممالك للإصطخري.
٢ تاج العروس. وعمان كغيرها من أعلام الأمكنة تصرف ولا تصرف وبكليهما ورد الشعر، فمن أمثلتها غير مصروفة قول الشاعر:
أحب عمان من حبي سليمى ... وما عهدي بحب قرى عمان
أضف تقييمك